ظاهرة وجود الداعيات ظاهرة إيجابية.. الدعوة النسائية مفهوم جديد أحدثته قدرة المرأة المسلمة على التحرك أكثر من السابق، ومسارعتها للعلم الشرعي قبل غيره، وإقبال النساء عموما في عالمنا العربي عموما وفي الأردن خصوصا على مجالس العلم والدعوة.
لكنه مفهوم بدأ يتشكل ويستحيل إلى واقع غاية في الأهمية قد يتطور إلى تشكيل مؤسسات دعوية نسائية متخصصة تعتني بكل الجوانب المهمة في حياة المرأة المسلمة أينما وجدت.
كل النساء في الأردن أو أغلبهن يعرفن رموز التحرر النسائي من قبيل نازك العابد، ودرية شفيق، وهدى شعراوي، وملك حفني ناصف، وفاطمة اليوسف، ونوال السعداوي، وجرجي زيدان، ورفاعة الطهطاوي، وقاسم أمين!
فمن يعرف إذن الداعيات النساء ومن يسمع بالدعوة النسائية التي ضربت جذورها في الأردن عبر عشر سنوات مضت بعمل مؤسسي منظم؟
وفي هذه السطور تسليط للضوء على واقع الدعوة النسائية في الأردن وحوارات مع أبرز الداعيات النساء والعلماء الأفاضل حول المرأة في ظل الدعوة.
إذ إن الجهود الدعوية المبذولة على صعيد المرأة تحاول بقدر المستطاع تقديم رؤية شرعية، ولكنها تظل تتسم غالباً بردة الفعل وبالتكرار أحياناً، وبفقدان الشمولية والتكامل والقلة، وبالإضافة إلى ذلك فإنها لا تتميز بطول النفس في الاستقصاء والمتابعة.
دعاة نساء أم رجال؟!
تقول الأستاذة أسماء أبو سيف "أركز في محاضراتي وورشات العمل التي أقوم بها على تدريب المجموعات على حل مشكلاتهم بأنفسهم وبتبصيرهم بالحلول المتوفرة في ثقافتهم ودينهم وربطها في الواقع العملي. أما بخصوص الحوار.
فأركز على فكرة أن الآخر دائماً هو "الإنسان" الذي كرمه الله وأننا يجب أن نتحاور معه على هذا الأساس" وتعمل السيدة أسماء مديرة لمدرسة أطفال، وهذا برأيها يضيق أكثر من الوقت المتاح للعمل الدعوي، إلا أنها تجد في وظيفتها فرصة رائعة لإيصال أفكارنا للأجيال.
وتقول "أم حازم" (ربة منزل) إنها تواظب على الحضور لداعية إسلامية معروفة في الأردن وتدعى "أم صهيب" تلقي دروسا ومحاضرات في المساجد ومراكز تحفيظ القرآن الكريم.
وتضيف "أجد أن النساء أقدر على توصيل الفكرة والموعظة لنا نحن النساء، خاصة فيما يتعلق ببعض الأمور الفقهية".
وتقول "من الصعب الاجتماع والالتقاء بأحد العلماء لسماع دروسه، بينما هذا الأمر متيسر وبشكل كبير بين الداعيات النساء".
وتضيف "ما يميز بعض الداعيات النساء هو حرية الحديث وحرية التلقي من قبل المستمعات، بالإضافة إلى سهولة توصيلها للمعلومة أكثر من الرجال"، وتقول إنها تحضر دروسا متعددة في أكثر من مكان ما بين المسجد ومراكز تحفيظ القرآن.
وتقول إن أكثر ما يؤثر فيها بشكل عام في الدروس والمحاضرات هو الإيمانيات والروحانيات ومحاولة ترقيق القلوب.
وتخالفها "ابتسام عوايشة" التي تعمل مدرسة فتقول إنها تحب الأسلوب الذي يتبعه الأستاذ عمرو خالد في الدعوة، وتتمنى لو أنه يوجد بين النساء من تمتلك موهبته في الإقناع والحجة ودخول القلوب بلا استئذان.
لكنها تضيف أنها تفضل الحضور للدعاة الرجال أكثر من النساء لأنهم متمكنون أكثر وهم أيضا أكثر موهبة في الخطابة وأكثر دراية وعلما.
أشكال الدعوة النسائية!
وحول أشكال الدعوة النسائية تقول أسماء "أعمل مع عدة جمعيات نسائية وغير نسائية وشركات تدريب، وقد قدمت في الصحف عدة مقالات ومواضيع استشارات تربوية وشاركت في عدة برامج فضائية وإذاعية.
إلا أن الأشكال الواضحة لوجه الدعوة النسائية يتضح أكثر من خلال ما يسمى بالصالونات التي تقام في العادة على شرف شخصية نسائية ضمن برنامج دوري يختص أكثر بالعمل الاجتماعي والتطوعي ورعاية الأيتام.
لكن يبرز في المقابل شكل آخر من أشكال الدعوة النسائية من خلال القطاع النسائي لجبهة العمل الإسلامي، فضلا عن أساليب أخرى كالمجلات النسائية الإسلامية وفرق الأناشيد والكاسيت الإسلامي.
وتقول الأستاذة "أسماء أبو سيف" إن "الداعيات في الأردن يشاركن في الكثير من البرامج الفضائية والإعلامية بحكم أن الأردن أحد الأسواق الغنية لإنتاج البرامج وتصويرها داخل المجتمع لأسباب يعرفها أصحاب التمويل في البرامج الفضائية".
وتمارس الداعيات في الأردن العمل على الإنترنت بشكل واضح، بعضه للدعوة وأكثره لخدمة الأهداف العلمية والمهنية للفتاة، بحسب الأستاذة أسماء أبو زيد، وتضيف "أستطيع أن أقول إن الشباب الدعاة هم الذين يقومون بالتوظيف الأمثل لهذه التقنية، أما الداعيات فهن مشغولات بصور أخرى من الدعوة كالدروس الدينية وحلقات التربية والحفلات الخيرية لدعم الانتفاضة والفقراء.
الدكتور الكيلاني: "لا بد من مؤسسات دعوية نسائية"
وحول أسباب غياب مؤسسات دعوية نسائية متخصصة يرى الدكتور "إبراهيم زيد الكيلاني" وزير الأوقاف الأسبق أنه ليس المقصود أن يكون القائمون على هذه المؤسسات الدعوية بالضرورة نساء، بل إن الهدف هو توجيه الاهتمام إلى كل ما يتعلق بالمرأة من أمور على سبيل الاختصاص.
لكنه يعتقد أن الدعوة النسائية لم تصل إلى مستوى الهيئات المتخصصة التي تعتبر ذات مرجعية في قضايا المرأة ويضيف "على سبيل المثال فإننا لا نجد مركز بحوث متخصصاً يُعنى بقضية الأسرة من وجهة النظر الشرعية ويغطي كافة جوانبها".
ويفسر أسباب ذلك بحداثة سن الصحوة وضخامة المهمات المنوطة بها؛ فخلال الأربعين سنة الماضية شهدت مناطق العالم الإسلامي أحداثاً كبرى، فأصبح العالم الإسلامي ينوء بالتبعات والرواسب على مختلف الأصعدة التي خلفها الاستعمار، إضافة إلى عدم القناعة لدى قطاع من الدعاة والمربين بأهمية العناية بقضايا الدعوة في أوساط النساء، فضلا عن ضعف الموارد المالية للمؤسسات الدعوية، مما أدى إلى تأخير تنفيذ كثير من مشروعات التوعية، وأخيرا ندرة الطاقات النسائية القادرة على المطالبة بإنشاء هذه المؤسسات، وضعف تكوينهن الثقافي والتربوي.
د. احمد سعيد حوى: "المجتمع الإسلامي يحتاج للداعيات"
ويجيب الدكتور "أحمد سعيد حوى" أستاذ الفقه في الجامعة الأردنية بأنه يجوز أن تفتي المرأة إن كانت أهلاً للفتوى، وليست هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء في أي عصر مضى. وحول المجالات التي ينبغي أن تغطيها الدروس الخاصة بالنساء يضيف الدكتور أحمد "هي ما تحتاجه المرأة في كل المجالات" خاصة القضايا التي تتعلق بالنساء أكثر.
ويقول الدكتور أحمد إن ظاهرة وجود الداعيات ظاهرة إيجابية يحتاجها المجتمع الإسلامي، ولا ينكرها الإسلام، لكنه ينبغي أن تكون ضمن الأطر الشرعية، كمحافظتها على حجابها وعدم الظهور على الرجال أو الاختلاط بهم، وكمحافظتها على بيتها وعدم تضييع حقوق الزوج وأبنائه بحجة الدعوة، وغير ذلك.
الكاتب: طارق ديلواني
المصدر: موقع آسية